بين فرعون موسي وفرعون ريدلي سكوت..
لقد ترقى حد التعاطف مع الأشرار حتى طرق باب فرعون نفسه! وذلك في فيلم (خروج: الآلهة والملوك) Exodus: Gods and Kings الصادر عام 2014 للمخرج البريطاني (ريدلي سكوت)، والذي ظهر فيه تأثره الشديد برحيل أخيه وحبيبه المخرج (توني سكوت) الذي مات منتحرًا، فتجلى ذلك في الفيلم في العلاقة بين رمسيس (فرعون مصر) وأخيه بالتبني (موسى عليه السلام) المفعمة بالحب، فكانت هذه العلاقة هي محرك الفيلم الأساسي كما أفصح بذلك (يوئيل إدجرتون) مؤدي دور رمسيس.
فرغم غيرة رمسيس من موسى لكون الأخير هو الأقوى والأذكى والأكثر شعبية، حتى إن والدهما الملك (سيتي الأول) كان يراه الأنسب لخلافته، وحال دون ذلك أنه ليس وريث العائلة الشرعي، إلا أن رمسيس كان يحبه ويتعلق به، ويظهر ذلك في أمره بنفيه بدلًا من قتله بعدما اكتشف حقيقته العبرانية، بوشاية من جواسيس عبرانيين. بل وخبأ له سيفه وسط رحاله ليدافع به عن نفسه في حال تعرضه لأي خطر، كالذي حدث عندما أرسلت أمه الملكة (تويا) من يتتبعه ويقتله للتخلص منه. ولم يأمر رمسيس رجاله بقتله بأمر مباشر إلا حينما أعلن له موسى صراحة عن دينه وأنه مرسل من قبل الرب، فحينها أمر بقتله فقط حفاظًا على أمن شعبه.
وقد انعكس ذلك على شخصية موسى في الفيلم، فحينما ناداه ربه عند الجبل، وبدا في هيئته وصفاته أنه طفل صغير دموي انتقامي ومتقلب المزاج، جاء ليخلص شعب العبرانيين الرعاع القذرين من العبودية ويعيدهم إلى وطنهم كنعان لأجل أن يعبدوه ويقدموا له القرابين، في صورة أشبه بآلهة الإغريق المراهقين الذين يتلاعبون بالبشر لتحقيق مجدهم ومتعتهم الشخصية. فحينما بدأ الرب في إنزال الابتلاءات على المصريين، تعالت العبارات الاستنكارية اللاذعة من موسى ونافس بعضها بعضًا، فكان مما قاله لربه:
«الآن بت نافذ الصبر بعد 400 عام من العبودية؟».
«لقد تأثرت في البداية، ولكن ليس بعد الآن، فهذا يؤثر في الجميع، فمن الذي تعاقب إذن؟».
«الآن بت نافذ الصبر بعد 400 عام من العبودية؟».
«ليس من السهل رؤية الناس الذين كبرت معهم يعانون لهذ الحد».
فأجابه الرب: «ماذا عن الذين لم تكبر معهم؟ ماذا ظننت بهم؟ ما تزال لا تعتقدهم أقرانك، أليس كذلك؟ طالما رمسيس يملك جيشًا خلفه، فلن يتغير أي شيء».
وحينما اعترض موسى على المزيد من البلاء وقال: «أي شيء مزيد يعني انتقامًا!».
فقال له الرب صارخًا: «انتقام! بعد 400 عام من الاستعباد الوحشي؟ أولئك الفراعنة الذين يتصورون أنهم آلهة أبدية ليسوا أكثر من مجرد بشر. أريد رؤيتهم جاثين يتوسلون أن يُكَفَّ ذلك».
وحينما قرر الرب أن «يموت كل بِكْر في أرض مصر، من بِكر فرعون الجالس على كرسيه، إلى بِكر الجارية التي خلف الرَّحَى، وكل بِكر بهيمة. ويكون صراخ عظيم في كل أرض مصر لم يكن مثله ولا يكون مثله أيضًا. ولكن جميع بني إسرائيل لا يُسَنِّن كلبٌ لسانه إليهم، لا إلى الناس ولا إلى البهائم؛ لكي تعلموا أن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل» [سفر الخروج 11: 4-7].
قال موسى مذعورًا: «لا! لا يمكنك فعل ذلك! لا أريد أن أكون جزءًا منه».
حتى نفذ عقاب الرب، وعلا صراخ المصريين الذين قُبضت أرواحُ أبنائهم، وطال الأمرُ ابنَ فرعون الرضيع الجميل، فجاء بكفنه إلى موسى مهزومًا بائسًا قائلًا له: «أهو إلهك؟ قاتل الأطفال؟ أي نوع من المتعصبين يعبد ربًّا كهذا؟»، وحينها فقط أمره بالخروج بشعبه من مصر إلى كنعان.
ففي غمرة هذه الأحداث والإبداعات التقنية المبهرة، يتسلل إلى المشاهد التعاطف مع قوم فرعون الذين لا ذنب لهم في شيء كما يبدو، بل والإحساس بالتحامل الشديد عليهم لأن يلعب طفل صغير متقلب بمقاديرهم، متناسيًا بذلك أحداث التاريخ: «فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف. ومرَّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبِن، وفي كل عمل في الحقل. كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عُنفا» [سفر الخروج 1: 13-14].
بل ومتناسيًا قبل ذلك آيات الله تعالى الحاكمة:
﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [سورة البقرة: 49].
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [سورة القصص: 8].
﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [سورة الزخرف: 54].
فلولا الفسق؛ ما استخف عقولهم أحد.
--------------
اقرأ المزيد في كتاب The Villains - الأشرار
0 comments:
Post a Comment