الحُلمُ
الوَرديُّ بينَ الإفراطِ والتَّفريط
شيماء هشام سعد
فُستانٌ طويلٌ
أبيَض، وَطَرحةٌ بِنقاءِ الفِكرةِ في عَقلِ عابِد، وَفَرحةٌ تعزِفُ فِي الرُّوحِ ترانيمَ
مُقدَّسةً فَتكادُ مِن فَرطِ الجَمالِ تَطير؛ هكَذا الحُلمُ في قَلبِ كُلِّ أُنثى.
حُلمُ الفِطرةِ
باكتمالِ النَّقصِ وَذَهابِ الوَحشةِ وَوُجودِ الرَّفيقِ قَديمٌ قِدَمَ الخَلق ، يُولدُ
فيها حِينَ تُدرِكُ أنَّها أُنثى وَيَكبرُ إلى أن تَجدَ ذلِكَ الكائنُ الَّذي يَقتضيه
كَمالُ الأُنوثةِ وَتَبحثُ عنه نداءاتُ الفِطرةِ وَتنتظِرُه الطَّبيعةُ البَشريَّة
، حُلمٌ كانَ في وَعيِ جَدَّاتِنا وَأُمَّهاتِنا وَأصبَح في لاوعيِنا مِن إفراطٍ أَو
تَفريط!
نَعم أَفرَطنا
حِينَ بالَغنا في الأحلامِ حَتَّى صَحونا لِيصدِمَنا الوَاقِعُ إذ يَقُولُ: "آسِف
؛ أنتُنَّ في انتظارِ الَّذي لَا يُوجد"، فمن حالِمةٍ بالغَنِيِّ المُترَفِ الَّذي
يُمطِرها بِالهدايا في زَمنِ البَطالةِ المُتغَوِّلة، وَأُخرى تنتظرُ (الرَّومانسيَّ)
الَّذي سَيتلو على مسَامِعها قصائدَ الغَزلِ وَوَصفَ الهَيَامِ بينَما الوَاقِعُ يَقضي
أن ما من رُومانسيَّة أَجدى وَأَحلى مِن تشارُكِ الهَمِّ وَ تقاسُمِ الحِملِ مَع مَن
تُحب ، وَثالِثةٍ تَجلسُ على كُرسيِّ القَضاءِ وَتَحكُمُ على هذا بِقلَّةِ العِلمِ
وَذاكَ بِسطحِيَّةِ الرَّأي بَينما الحقيقةُ تقُولُ: إنَّما يَصلُحُ الرجل زَوجًا بأشياءٍ
أُخرى، وَمِن أُخرياتٍ وَأُخرياتٍ يَصرُخُ الحُلمُ إذ يفيقُ على الواقعِ الصَّادم!
نَعَم فَرَّطَ
بَعضُنا فسرَّحنَ الحُلمَ فِي مَيادِين التَّسوُّلِ يَستَجدي أولَويَّاتِهن كنساء اعترافًا
بشَرعيَّتِه، فَمِن مُؤجِّلةٍ الزَّواجَ إلى أَجَلٍ غَيرِ مُسمًّى حتَّى تُحقَّقَ ذاتَها
بَينما الشَّرعُ يتساءلُ: أيُّ ذاتٍ ستجِدينها وَقد خلَّفتِ ذاتَك الأُنثويةَّ التي
لا تَقومُ إلا بِبناءِ بَيتٍ وَإعفافِ زَوجٍ خلفَكِ؟ وَمِن أُخرى تتنكَّرُ للزَّواجِ
وَتتشدَّقُ ليلَ نهار بحُريَّةِ المَرأةِ واستقلاليَّتِها وَحقِّها المُضيَّعِ وَالحقيقةُ
تَنهرُها: لن تَدحضي بالباطلِ الَّذي خُدعتِ به حقًا تؤيِّدُه طَبيعةُ الخَلقِ وَإرادةُ
الخالِق، وَما الحُريَّةُ التي تَلهثين خَلفها إلا قَيدٌ سيَخنِقُكِ يَومًا ما، وَما
ضَيَّعَ حقَّكِ سِواكِ إذْ زعمتِ استغناءً عن الرَّجُلِ يَقُومُ على أَمرِكِ بتكليفٍ
مِن اللهِ فتُكرَمين في جَنابِه مُصانةً حُقوقُكِ بِحصنِ قُوَّتِه، وَمِن عازِفةٍ عن
الزَّواجِ لأذًى طالَها مِن شِبه رَجُلٍ وَسُنَّةُ اللهِ في خَلقِه أَن ليسَ كُلُّ
النَّاسِ سواءً وَلَن تُعدَم فيهم بَقيَّةُ خَيرٍ تستحقُّ أَن نُقبِلَ عليها بوَجهِ
عبدٍ يَقفُ حيثُ أُريدَ له الوقوف ، وَمِن أُخرياتٍ وَأخرياتٍ يئنُّ الحُلمُ مَوجوعًا
تَحتَ وطأةِ الجَورِ وَوقعِ الحِرمان!
وَبَينَ هَؤلاءِ
وَأولئك يَبتسِمُ الحُلمُ مَمنونًا لأُنثى تَقفُ عَلى جادَّةِ الاعتدالِ لمَّا يَزَل
قلبُها أَخضر؛ لَم يَنكسِر مِن اصطدامٍ بالواقِعِ وَلَم يَذبُل إثرَ تَشييعِ الحُلمِ
، إليهنّ يعُودُ الفضلُ في بَقاءِ الفِطرةِ السَّليمَةِ في مُجتَمَع غَيَّبتُه أحلامُ
اليَقظةِ وأَنهكهُ مَرضُ تَحريرِ المَرأة!
شَكرَ اللهُ لقُلوبِهن
الجَميلةِ وَرواها مِن غيثِ رِعايتِه لتُنبتَ للأُمِّةِ رِجالًا رِجالًا وَ نساءً بِبهاءِ
الحُلمِ الوَرديّ.
0 comments:
Post a Comment