نعمة آل موسى تكتب: لمْ نُعدَمْ قـُدوَة!


نعمة آل موسى

 من البشر طينة إن تلمستها في المحن ذوّبك التأمل في حكمتهم والتفكر في رقتهم واعتصارهم لرحمتهم من قلوبهم على الخلق حتى وهم في أشد البأس ، يتراحمون الى آخر قطر.
 يصبرون ويصطبرون ..
زهدوا الشكوى بعد أن عرفوا حقيقة الابتلاء ولاذوا بالنجوى إلى رب السماء ومهدوا ما بقي من العمر لأجل العطاء؛ سنونهم في الحياة صغيرة ولكنهم لا يعرفون لطول الأمل والأمد في الحياة سبيل شعارهم إنها الفانية والآخرة لآتية وما لدنيا دنيّة من باقية.
.. أرواحهم كأقلام الرصاص تبرى بالمحن وكلما قصفت الجراح من العزائم يبقى بداخلهم عزائم متجددة تبرز للنور حادة في الإصرار كحدة ألم اعتراها وبراها.
 يتجددون في صمت وتمر محنهم في صمت ويخطون إشراقاتهم الجديدة على أوراق الفرج في صمت كصمت الشمس في مشرقها ولكن ما أعظم أفعالها ودفئها وشوقنا لها !!
 تعرّف إليهم فكلما عرفتهم راق لك أن تتصبر بهم وبما خبؤه بين السطور من أحزان في عزم وبين ابتساماتهم الحزينة من همةِ في حزم ....
لهم الله فقط ولنا فيهم قدوة
. وآخرون إن تلمستهم في الكَبَر ِ تراهم يتعكزون على المشيب ويصففونه بأمشاط الرضا في صباحاتهم المتوكلة على من وهبهم أعمارًا.
مازالت لها في الحياة سهمًا من نشاطات وقناطير من أمل في أن تشفى أوجاع عظامهم التي ما عادت تقوى على حملهم.
.. وبالرغم من ثقل الحراك لا يتوانون عن موعد زيارتهم الشهرية لطبيب العيادة التأمينية .. !! .. ( أصحاب المعاشات ) عجائز البدن لا الروح ..
.. فلك يدور في بحر التوجع ..
يصرَّ على الصمود دون أفول نجم العمر.
أحاديثهم الحكيمة تكاثفت في أروقة الانتظار ..
 ينادي الطبيب اسمًا ..
 يدنو صاحبه وتجليات العشرة بينه وبين طبيب في عمر ابنه تعزف ترنيمة حنوّ ..
ويسأل الطبيب عما يعرف إجابته:" ما شكواك يا والدي؟ " ..
فيجيب المشيب ضاحكا ً:" ولم الشكوى يا ولدي لم يبق بالعمر قدر ما فات منه" !
 وتغادر الحالة بفيتامينات الأمل ومسكنات للوحدة ومضادات الخوف ..
 نرى الشيب دومًا حبيس جدران البيوت ..
 ولكن هذه الفئة من الشياب حبسوا أنفسهم عن خرافات العواجيز بعقول مازالت تتقن فن الرواية ..
 خلاصة الحكمة ...
 وعيون مغرورقة بحب الحياة .. الطرقات .. الناس .. الماضي الجميل .
 تعرف عليهم فكلما عرفتهم نهلت منهم عبرا وعظات ..
 تشي لك تجاعيدهم الغارقة في تسابيح مسابحهم وهمساتهم لمصاحفهم ، بأن لحظات العمر استثمار في تجارة مع الله لا كساد فيها..
لهم علينا الرحمة ولنا فيهم قدوة.
 والآن نعرج على هؤلاء البشوشين لا متناسيين
ملامحهم ولا متجاهلين نظراتهم الواسعة البريئة التي تخطفنا من فضاءات عافيتنا إلى واقع معاناتهم .
 عند ابتسامهم في وجه أحدنا تدور رحى علامات التعجب في الأذهان ...
 يا الله كل هذا البـِشْرُ!!
 كل هذا البـِشْر في صغارهم وكل هذا التوكل عليك في كبارهم !!
إنهم أصحاب (متلازمة داون) ...
 لا يحملون للدنيا هما ، لربما لأن فطرتهم ترى ما لا نراه من حقيقة عن الحياة الفانية تلك التي لا تستحق حروبًا ضروسًا تفني إنسانيتنا!
.. قلوبا تعيش الدنيا وتسعد بأبسط ما فيها وأعظم ما فيها في ذات الوقت ..
 ألا وهي الكلمة الطيبة واللمسة العطوف ..
 تصهرنا عيون صغارهم حين تشرئب ترجوا احتضانا !!!
وفي واقع الأمر نحن الأحوج لكل هذا الدفء!
 .. لا يَفترون عن السعي في التعلم والاستكشاف بأيادٍ رقيقة وعقول لا تنطوي عن عجز أو إعاقة بل ذكاء يتعطش لشربة عون من أصحاء لربما كانوا أقل ذكاءً !
 تعرفوا عليهم ..
 لتسائلوا أنفسكم أنحن أصحاب إعاقة أم هم ؟
 أنحن المرضى أم هم ؟
 فبوجوههم يختلف شهيق الصبر في صدورنا وتخرج الزفرات متشبعة بالحمد عازمة على النقاء ..
 الحب .. العمل والتعلم والرحمة .. لهم علينا حياة نحياها معهم ولنا فيهم قدوة .
 ولنا في كل حالٍ على الأرض قدوة..
 وفي كل ما خلق الله أسوة ،
 نأخذ من كل حالٍ ومن كل خلقٍ ما وافق ديننا وما هو أطيب لعيشنا وأقوم لسلوكنا وكل ما فيه إبراء لذممنا .. حتى في أعظم القضايا وأجلها لن نُعدم قدوة ..
ألا إنها وحدانية الله الواحد الأحد لا شريك له ولا زوج ولا ولد لنا في هؤلاء قدوة ،
 ومن هم ؟ ... إنهم في قوله تعالى :
(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90)
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا   (91)
 سورة مريم
أفنكون كالسماوات والأرض والجبال ونحفظ بيننا وبين الله عهدًا؟
 وأول المسك دومًا وخير الختام في أسوة الأنام ، سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..
 أن كان قرآناً يمشي على الأرض صاحب الخلق العظيم ورحمة الله للعالمين لن تسعفني محابري مدًا ولا مدادًا في حقه إلى يوم الدين.

صلوا عليه وسلموا تسليمًا
Share on Google Plus

About فريق العمل

0 comments:

Post a Comment