غادة أكرم تكتب: المدرسة الأولى


المدرسة الأولى
غادة أكرم
على مهد صغير يرقد ..
 طفل عمره سويعات .. يقرصه الجوع فيبكي .. تأتي أمه إليه ترضعه فيشبع فيتعلم أول درس في مدرسة الحياة .. فيبكي كلما أراد شيئاً لتأتي إليه تطعمه  .. تنظفه .. تهدهده
 .. يكبر قليلاً وتشتد أطرافه ويحتد بصره فيكون شغوفا بتعلم المزيد والمزيد ..
 بقدراته الجديدة : يسمع الأشياء .. يتذوقها ..  يلمسها .. يشمها ..
 يصرخون من حوله أحيانًا : لا لا تأكلها!!
 فلا يطيع .. ثم يبكي إذا آذته .. ويلوذ لحضن والديه..
 مع التجربة العملية مرة واثنتين وثلاث ..
يتعلم أن عليه أن يقاوم شغفه للاستكشاف والتعلّم حتي لا يؤذي نفسه ..
 فتراه يحاول وهو أكثر حذرًا ..
 ناظرًا لأمه وأبيه منتظرًا منهما تشجيعًا أو نهيًا ..
 فهما صمام الأمان إذا نهوه ، تذكر أنه حين لم يطيعهما مرات سابقة تألم .. يسعده تشجيعهما على فعل شيء فينطلق يكتشفه بحبور ..
 يحاول الجلوس الزحف المشي ..
 يجرب أن يصدر أصواتًا فيتكلم ويتعلم بالتجربة تحوطه رعاية الله واهتمام والديه ..  ويكبر ليذهب لمدرسة الحي فيرى عالمًا آخر وأناسًا آخرين .
ويشتد عوده فيري نفسه يكاد يماثل أبويه طولًا .. وقد يصعب عليهما فعل شيء .. فيساعدهما ويقدر عليه بقوته الجسدية.
ولكنه قد ينسى درسه الأول ..
ينسى أن أبواه كانا معلمه الأول في أهم سنين عمره .. فتراه يعتد برأيه بلا برهان .. مرددًا عبارات جوفاء : "لم أعد صغيرًا .. لقد كبرت .. دعوني وشأني"
 ربما رآهما في هذا الحين بعد مرور عقدين أو أقل قليلًا له في مدرسة الحياة لم يعودا معلمه الأوحد أو الأفضل .. وربما تاه في دروب الحياة وتعثر ..  ليعود ليرى نفسه كبر .. وصار أبًا يرى من طفله كل ما كان يفعله صغيرًا .. يحس حبه له وحرصه عليه .. يلحظ تشابه أفعاله مع الصغير مع أفعال أمه وأبيه معه ..  يحس مشاعرهما بالمسؤولية والحب .. فيدرك الدرس الأول مرة أخرى ويفهم منزلتهما التي رفعها الله ..  فيتلو بخشوع : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... }
Share on Google Plus

About فريق العمل

0 comments:

Post a Comment